ـ بيداغوجيا الخطأ وكيفية التعامل مع أخطاء المتعلمين .
* ـ بيداغوجيا الخطأ وكيفية التعامل مع أخطاء المتعلمين :
* ـ كل خطأ يقابله تصحيح، يقوّم مساره ويزيل عنه اعوجاجه، إلا أنّ هذا التصحيح قليلا ما يكون تربويا، ينتقل من الخطأ إلى الصواب دون عوارض ومخلفات سيئة وضارة، لأن معالجة الخطأ في البيداغوجيا التقليدية تتم في كثير من الأحيان عن طريق التوبيخ والزجر والتهديد، وبالتالي يصبح الخطأ مرادفا للعار والضعف والبلادة .
الخطأ في البيداغوجيا التقليدية سلوك مناف للصواب يجب محاربته، أو سوء فهم يجب إزالته وشطبه في كل إنتاجات المتعلمين .
أما في البيداغوجيات الحديثة فالخطأ أصبح حقا من حقوق المتعلم باعتباره منطلقا لعمليات التعلم والتعليم، فالمعرفة لا تبدأ من الصفر بل لا بدّ أن تمرّ عبر مجموعة من المحاولات الخاطئة .
فبيداغوجيا الخطأ ظاهرة تمثل نقطة انطلاق المعرفة، تعمل على وضع منهجية علمية واضحة المعالم للتعامل مع الخطأ، وهدفها هو دمج الخطأ في الوضعيات الديداكتيكية لتصبح مناسبة تستغل في البحث عن الصواب .
يرتكز التعلم من خلال بيداغوجيا الخطأ على مبادئ أهمها :
أنّ الخطأ تعبير عن معرفة مضطربة، يتم الانطلاق منها لبناء معرفة صحيحة .
استحالة تفادي الخطأ في سيرورة التعلم .
أنّ الخطأ الذي يرتكب في وضعيات التعلم نادرا ما يتكرر في وضعيات حقيقية .
أنّ الخطأ خاصية إنسانية وبالتالي فهو حق للمتعلم .
أنّ الخطأ ذو قيمة تشخيصية .
يمكن حصر أخطاء الطالب في ثلاثة مصادر كبرى يعود بعضها إلى المدرس وبعضها الآخر إلى المتعلم والبعض الآخر ـ بدرجة أقل ـ إلى طبيعة المعرفة :
- خطأ عائد إلى المدرس: هذا النوع من الخطأ سببه طرق التدريس البالية، واستراتجيات التعلم العقيمة، أو كفاءة المدرس وطريقة تحضيره للدرس، نسق سريع للتعليم، عدم تنويع الطرائق والوسائل البيداغوجية، عدم قدرة المعلم على التواصل، تصور سلبي للهوية المهنية، تصور سلبي للمتعلم .
- خطأ عائد إلى المتعلم : يكون بسبب المستوى الذهني للمتعلم أو نظرته للمعرفة، قلة الانتباه، ضعف الدافعية، عدم قدرة المتعلم على التواصل، ضعف في مداركه الذهنية، مرض، حالة اجتماعية متوترة .
- خطأ عائد إلى طبيعة المعرفة : و يتعلق الأمر بالمعرفة الواجب تعلمها، تجاوز المستوى الذهني للمتعلم، عدم التلاؤم مع ميولات المتعلم، صعوبة المعارف .
تتنوع طرق وأشكال التعامل مع الخطأ بتنوع الأخطاء نفسها. هناك أخطاء ترتبط بالوضعيات التعليمية التعلمية، وأخرى بالتعليمات، وبعضها بالمكتسبات السابقة، وبعضها الآخر يرتبط بهذه المجالات جميعها .
* ـ الأخطاء المرتبطة بالوضعيات التعليمية التعلمية :
كثيرا ما يكتنف الدرس غموض لا يجد المتعلم تفسيرا له، فيعتبر ذلك صعوبة في المادة، أو ضعفا في قدراته العقلية، وقد يتهم المعلم بعدم الكفاءة والمقدرة على توصيل المعرفة إليه. إلا أن الأمر لا يعدو أن يكون وضعية جديدة على المتعلم، لم يتعود عليها، ومن الأمثلة على ذلك : عرض المسألة أو التمرين بشكل جديد ـ سياق ثقافي غير معتاد ـ لغة خطاب غير مألوفة ـ اعتماد وسائل جديدة .
قد تكون الوضعية المقترحة معروفة من طرف المتعلم، لكنها تتطلب اعتماد نوع من التفكير أو البرهنة يفتقدها الطالب أو لا يتحكم فيها بشكل كاف، مما يجعل المتعلم يكوّن فكرة غير صحيحة عن المهام المطلوب منه إنجازها .
قد تكون الوضعية معروفة لدى المتعلم لكنها تفرض شروطا قاسية تتجاوز إمكاناته .
من الأمثلة على هذه الشروط : - إنجاز المهمة في وقت محدد ـ عدد كبير من التمـارين ـ درجة عالية من التعقيد ـ ارتباط المهام بمجالات مختلفة .
* ـ كيفية التعامل مع هذا النوع من الأخطاء :
يستحسن من المعلم أن يتبع طرقا عديدة ومتنوعة حسب نوعية الأخطاء التي يلاحظها في القسم، وحسب ما تقتضيه ظروف كل درس. إن الاعتماد على الوسائل التعليمية، أو التنويع في أساليب التعليم، وتمكين المتعلمين من مهارات التفكير والاستيعاب وغيرها من الطرق كفيلة بتصحيح أخطاء المتعلمين وتجنيبهم الوقوع فيها. لإيضاح أكثر، نحاول أن نتوقف عند كل طريقة بشيء من التفصيل :
1. الوسيلة التعليمية :
هي كل وسيلة يوظفها المعلم لتحسين عملية التعلم والتعليم، وتوضيح المعاني والأفكار، أو تدريب التلاميذ على بعض المهارات .. دون أن يكون اعتماده كليا على الألفاظ والرموز والأرقام، وهي باختصار جميع الوسائط التي يستخدمها المعلم في الموقف التعليمي لتوصيل الحقائق، أو الأفكار، أو المعاني للتلاميذ لجعل درسه أكثر إثارة وتشويقا وفائدة. تختلف مسميات الوسائل التعليمية باختلاف بعض المراجع المعتمدة. نجدها أحيانا باسم وسائل الإيضاح، لأنها تهدف إلى توضيح المعلومات، ونجدها أحيانا أخرى باسم الوسائل السمعية البصرية، لأن بعضها يعتمد على السماع كالمذياع، والتسجيلات الصوتية، والمحاضرات...الخ، وبعضها الآخر يعتمد على حاسة البصر كالأفلام الصامتة، والصور الفوتوغرافية وغيرها .
وتنبع أهمية الوسيلة التعليمية، من طبيعة الأهداف التي يرغب المعلم في تحقيقها من المادة التعليمية، وكذا من مستويات نمو المتعلمين الإدراكية. فالوسائل التعليمية التي يتم اختيارها للمراحل التعليمية الدنيا تختلف إلى حد ما عن الوسائل التي نختارها للصفوف العليا، أو المراحل التعليمية المتقدمة، كالمرحلة المتوسطة والثانوية .
* ـ ويمكن حصر دور الوسائل التعليمية وأهميتها فيما يلي :
- تسهيل عملية التعليم على المدرس، والتعلم على الطالب.
- إثارة اهتمام وانتباه الدارسين، وتنمية دقة الملاحظة فيهم.
- تثبيت المعلومات، وزيادة حفظ الطالب، ومضاعفة استيعابه.
- تعلم بمفردها كالتلفاز ، والرحلات ، والمتاحف.. الخ.
- تتيح للمتعلمين فرصا متعددة من فرص المتعة، وتحقيق الذات.
- تساعد على إبقاء الخبرة التعليمية حية لأطول فترة ممكنة مع التلاميذ.
2. تنويع أساليب وعمليات التعليم :
أسلوب التدريس هو الكيفية التي يتناول بها المعلم طريقة التدريس أثناء قيامه بعمله، أو هو الأسلوب الذي يتبعه المعلم في تنفيذ طريقة التدريس بصورة تميزه عن غيره من المعلمين الذين يستخدمون نفس الطريقة، ومن ثم يرتبط بصورة أساسية بالخصائص الشخصية للمعلم .
ومفاد هذا التعريف أن أسلوب التدريس قد يختلف من معلم إلى آخر، على الرغم من استخدامهم لنفس الطريقة، مثال ذلك أننا نجد أن المعلم (س) يستخدم طريقة الحوار، وأن المعلم (ص) يستخدم أيضاً طريقة الحوار ومع ذلك قد نجد فروقاً دالة في مستويات تحصيل تلاميذ كلا منهما. وهذا يعني أن تلك الفروق يمكن أن تنسب إلى أسلوب التدريس الذي يتبعه المعلم، ولا تنسب إلى طريقة التدريس على اعتبار أن طرق التدريس لها خصائصها وخطواتها المحددة والمتفق عليها .
طبيعة أسلوب التدريس : إن أسلوب التدريس يرتبط أساسا بالصفات والسمات الشخصية للمعلم، وهذا ما يشير إلى عدم وجود قواعد محددة لأساليب التدريس الواجب اتباعها أثناء قيام المعلم بعمله. وبالتالي فإن طبيعة أسلوب التدريس ترتكز على المعلم الفرد وبشخصيته، من خلال تعبيراته اللغوية، وحركاته الجسمية، تعبيرات وجهه، انفعالاته، نغمة صوته، مخارج الحروف عنده، إشاراته وإيماءاته، وغيرها. تمثل في جوهرها الصفات الشخصية الفردية التي يتميز بها المعلم عن غيره من المعلمين .
لا يوجد أسلوب محدد يمكن تفضيله عما سواه من الأساليب، على اعتبار أن مسألة تفضيل أسلوب تدريسي عن غيره تظل مرهونة، بالمعلم نفسه وبما يفضله هو. إلا أننا نجد أن معظم الدراسات والأبحاث التي تناولت موضوع أساليب التدريس قد ربطت بين هذه الأساليب وأثرها على التحصيل، وذلك من زاوية أن أسلوب التدريس لا يمكن الحكم عليه إلا من خلال الأثر الذي يظهر على التحصيل لدى التلاميذ .
3. تمكين المتعلمين من مهارات الاستيعاب و التفكير :
يحتاج المتعلم إلى مهارات كثيرة في الاستيعاب والتفكير تمكنه من تجنب الأخطاء، وتساعده على التحصيل العلمي والمعرفي. ولن يتأتى ذلك ما لم يول المعلم أهمية لدور هذه المهارات في حياة المتعلم الدراسية .
وأهم مهارات الاستيعاب، نذكر : مهارات الاستيعاب الحرفي التي تعتمد على فهم الكلمات والفقرات، ملاحظة الحقائق والتفاصيل الدقيقة، تذكر تسلسل الأحداث، استنتاج الفكرة العامة والأفكار الأساسية... مهارات الاستيعاب التفسيري التي تعتمد على القدرة على الاستنتاج والتنبؤ وتكوين الآراء. مهارات الاستيعاب النقدي وتعتمد على إصدار أحكام قيمة مرتكزة على اتجاهاته وخبراته، الحكم على دقة المعلومة، استخلاص النتائج، التمييز بين الرأي والحقيقة، تقييم آراء الكاتب ومعتقداته .
أما مهارات التفكير : فهي عمليات محددة نمارسها ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات مثل : مهارات تحديد المشكلة، إيجاد الافتراضات غير المذكورة في النص، أو تقييم قوة الدليل، أو الادعاء.. وتعليم مهارات التفكير يعني تعليم الطلبة بصورة مباشرة أو غير مباشرة كيفية تنفيذ مهارات التفكير كالملاحظة والمقارنة والتصنيف والتطبيق وغيرها بصورة مستقلة عن محتوى المواد الدراسية أو في إطاره شريطة أن يكون التركيز على مهارة التفكير في حد ذاتها .
إنّ تنمية مهارات التفكير ترتكز على :
أ. مهارات الإعداد النفسي.
ب. مهارات الإدراك الحسي.
ج. المهارات المتعلقة بإزالة العقبات وتجنب أخطاء التفكير.
د. مهارات تطويع العقل للموقف.
4. تنويع أشكال و أساليب العرض .
لجذب انتباه التلميذ مع بداية الحصة وفي ثناياها ونهايتها يستحسن توظيف بعض مهارات الاتصال المستخدمة في التدريس، وجوهر هذه المهارات: التمهيد والعرض .
ولتحصيل ذلك على المعلم أن يتحكم في طريقة وسرعة الدرس، مع تغيير في طبقات ونبرات الصوت، وحسن توظيف الإشارات والتلميحات غير اللفظية، إلى جانب استخدام سلاح السكون من حين إلى آخر .
إنّ إثارة انتباه التلميذ قد تكون أحيانا من الأدنى إلى الأعلى، كأن يرفع المعلم فجأة صوته، أو من الأعلى إلى الأدنى، كأن أن يتوقف هنيهة عن الكلام، أو يخفض من صوته. هذه الإثارة، كثيرا ما تشدّ انتباه التلميذ لمتابعة خطوات الدرس. والمعلم المقتدر يعرف كيف يوظف هذه التقنية في الأوقات التي يراها مناسبة .
* ـ الأخطاء المرتبطة بالتعليمات :
لا يحمل التلميذ وزر خطأ بسبب إجابة عن سؤال يحتمل أكثر من إجابة، أو يكتنفه شيء من الغموض، أو صياغة معقدة أو ركيكة للسؤال. نلاحظ في هذا النوع من الأخطاء شكلين رئيسيين هما :
أخطاء مرتبطة بكيفية توجيه التعليمات، من خلال صياغة الأسئلة أو الملاحظات أو التوجيهات.. نحو : تقديم تعليمات مزدوجة أو غامضة. - توجيه تعليمات متناقضة. - تتميز التعليمات بوجود كلمات غير مألوفة. - عدم التأكد من فهم التعليمات. - عدم توجيه التعليمات في شروط مناسبة .
أخطاء مرتبطة بكيفية استقبال التعليمات من طرف المتعلمين .
استيعاب التعليمات : - عدم قدرة المتعلمين على قراءة التعليمات بشكل صحيح. - تعديل المتعلمين في التعليمات بالإضافة أو النقصان أو بتغيير عناصر منها. - تصور المتعلمين تعليمات جديدة، خاصة عندما يكتشفون عدم معرفتهم بالتعليمات الموجهة من طرف المدرس.
ينبغي على المعلمين والمتعلمين على حد سواء اعتبار مرحلة عرض التعليمات فترة هامة في التعليم و التعلم. - مساعدة المتعلمين على التساؤل حول التعليمات، ففهم السؤال يعتبر نصف الإجابة. - مساعدة المتعلم على إعادة صياغة التعليمة بأسلوبه الخاص. - مساعدة المتعلم على تصور المهام التي يقوم بها. - مساعدة المتعلم على ممارسة النقد الذاتي .
* ـ الأخطاء المرتبطة بالمكتسبات السابقة :
لا ينكر أحد ما لتراكم المكتسبات السابقة من أثر سلبي أو إيجابي على مسار المتعلم. فالسنوات الأولى للتمدرس تعتبر الأساس الذي يبني من خلاله المتعلم صرح ثقافته. وكل خلل في القاعدة أو تراكم لأخطاء لم تصحح، يترتب عليها اعوجاج في مسار التلميذ الدراسي. وقد يظهر هذا الاعوجاج على شكل مكتسبات غير صحيحة أو غير مدعمة بشكل كاف، كما قد يؤثر عدم وجود معرفة كافية لدى المتعلمين بنفس القدر على محاولاتهم لاكتساب معارف جديدة .
* ـ تعليمات حول كيفية التعامل مع هذا النوع من الأخطاء :
- العودة إلى المكتسبات السابقة الأساسية، ثم غربلتها وتصحيحها.
- الرجوع إلى نقطة الانطلاق في التعلم مع تغيير الوضعيات بما يلي: ( إدماج مكونات داعمة. ـ الإكثار من التمارين.)
- مساعدة المتعلم على إظهار تمثلاته بوضوح للتعرف عليها، تشجيعه على رفضها والإيمان بعدم صلاحيتها، وبالتالي مساعدته على تصحيحها .
- الرفع تدريجيا من نوعية وصعوبة التمارين الداعمة .
بصفة عامة، يحتاج المتعلم إلى إشراكه في وضعيات تعليمية تعلمية تسمح له بالتعبير عن مؤهلاته، وفي حالة ارتكابه لأخطاء، ينبغي فهم تمثلاته وتحليل أخطائه ثم تقديم الإمكانات التي تسمح بمعالجتها وتصحيحها .
لقد ولى زمن تحريم الخطأ، وحلّ محله زمن الحق في الخطأ، فلا داعي لتأنيب أبنائنا وزجرهم، لا لوزر ارتكبوه وإنما لخطأ يتعلم من خلاله شيئا صائبا ومفيدا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ـ المراجع :
1. د. مصطفى بدران ـ د. إبراهيم مطاوع ـ محمد محمد عطية. الوسائل التعليمية. مكتبة النهضة المصرية 1999 الطبعة السابعة
2. للطفل د/ عبد الستار إبراهيم ـ عبد العزيز بن عبد الله الدخيل ـ رضوان إبراهيم . العلاج السلوكي عالم المعرفة العدد 180 1990
3. جورج براون التدريس المصغر برنامج لتعليم مهارات التدريس. ترجمة محمد رضا البغدادي دار الفكر العربي 1998
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق